تقارض السريانية والعربية – الجزء الرابع
الألفاظ:
جاء في مقال للأستاذ توما الخوري في المجلة البطريركية 1992 ص 522 بعنوان إلقاء نظرة جديدة على الأدب السرياني قوله: (إنّ تأثير السريان على العرب كان قويًا جدًا بحيث قلب إلى حد ما سيرتهم ومذاهبهم ومشاربهم جميعًا بفضل ترجمات السريان وتعاليمهم وشروحاتهم وتآليفهم ومبتكراتهم التي لا تحصى لألفاظ وتعابير ومصطلحات تقنية عربية بالإضافة إلى طرق جديدة في التفكير، وإن الأدب واللغة العربيين إبان الحكم العباسي (1258) خلعا عنهما العباءة البدوية وارتديا الطيلسان البغدادي، وكذلك الحال فيما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وبفضل علماء السريان والبحاثة البارزين منهم في الشرق الأوسط من مختلف الطوائف كالموارنة والروم والكلدان والسريان والبروتستانت بلغ الأدب واللغة العربيان ذروة العصرية.
مثلما تأثرت اللغة العربية باللغة السريانيّة وفي محاور عدة فإن السريانيّة بالمقابل تأثرت بالعربية وأخذت منها أمورًا عدة من حيث القواعد والتراكيب والأساليب والمعاني والقافية الشعرية خصوصًا في القرن الثالث عشر ولا سيما على يدي مار غريغوريوس أبي الفرج ابن العبري مفريان المشرق نذكر منها:
أولاً في النحو: من المعروف أن قواعد اللغة العربية قد بنيت حسب قواعد اللغة السريانية لكن قواعد السريانية جمدت وبقيت على حالها بعد الفتوحات الإسلامية بسبب هجر السريان للغتهم وتعلمهم العربية بينما كانت القواعد العربية قد تطورت وتحسنت في أمور كثيرة فاضطر علماء السريانية للنسج على منوال العربية، جاء في كتاب ثقافة السريان في العصور الوسطى ما يلي: (إنّ ابن العبري تأثر كثيرًا بنحو الزمخشري المصنف الذي يجلّه العرب كثيرًا 1220 فسار على منهجه في كتابه النحوي “صمحو” الأشعة، كما نظم في النحو السريانية أرجوزة على غرار ألفية ابن مالك. وإنّ التنوين لدى العرب ثلاثة أنواع هي الرفع والنصب والجر وقد اختار السريان من هذه الأنواع تنوين النصب الذي يكون بألف الإطلاق مثل قولنا: “كتوبو” فألف الإطلاق هنا هي تنوين نصب ودليل نكرة الكلمة تحذف عند الإضافة مثل قولنا: كتوب يلفو.
ثانيًا: وقد أطلق المفريان ابن العبري لفظة حوشوبو على الضمير بدلاً من الاسم السرياني المركب حلوف شمو مقتبسًا ذلك من قواعد اللغة العربية.
ثالثًا: كذلك استقت من العربية مفردات دخلت معجمات السريانية مثل وزير – ورقة.
رابعًا: تأثر السريان بالمعجمات العربية: يقول المونسنيور يوسف حبي في كتيبه معجمات اللغة السريانية ص 259: يمكننا القول أنحنين بن اسحق العبادي المترجم السرياني المشهور المتوفي سنة 872 قد تأثر بمصنفي المعاجم العربية في استكماله محاولته المعجمية الناجحة وقد اعتبره الكثيرون واضعَ أول معجمِ باللغة السريانية.
تقارض اللغتين بالخط الكرشوني
لقد كان التجارُ العربُ الذين يؤمون بلاد الشام والعراق قادمين من اليمن وشبه الجزيرة العربية في تجارتهم مع السريان قبل الإسلام وبعدَه يكتبون سجلاتهم التجارية ودفاترهم الحسابية بالخط السرياني لأنهم كانوا مضطرين لذلك بحكم علاقتهم مع السريان الذين كانت لغتهم لغة التجارة العالمية، وقد سميت تلك اللغة العربية المكتوبة بحروف سريانية الخط الكرشوني ربما نسبة إلى هؤلاء العرب القرشيين الذين استخدموها لأول مرة.
وبعد الفتوحات الإسلامية وفي منتصف القرن السابع الميلادي وبعد هروب السريانية من الألسن السورية وانتشار اللغة العربية في مواطن السريان أي سورية والعراق ساد خوف شديد لدى المهمتين باللغة السريانية من ضياعها واضمحلالها أمام شقيقتها العربية لذا لجؤوا لتلك الطريقة التي كان يستخدمها التجار العرب والمسماة كرشونية ورسخوها واستعملوها بشكل فعلي وواسع للحفاظ ولو على شيء من مظاهر السريانية وأعني بذلك الخط فكتبوا العربية بخط سرياني للمستمعين والقراء الذين ما عادوا يفهمون السريانية وخُطت غالبية الكتب الكنسية في الأديرة والكنائس بها الخط وما زالت بعض الطوائف المسيحية الشرقية سائرة على هذه الطريقة حتى يومنا هذا وبهذه الطريقة فإن القارئ يقرأ بحروف سريانية بينما السامع يسمع لغة عربية.
الباحث: جوزيف أسمر ملكي
المقالات المنشورة على صفحات المجلّة تُعبّر عن آراء كتّابها، لا عن رأي المجلّة.
مكتبة الفيديو
- الطوباوي مار فلابيانوس ميخائيل ملكي28 أغسطس، 2019
- حكاية القديس يوحنا الحبيب8 مايو، 2019
- سمعان الشيخ1 فبراير، 2019
- قصة القديس يوحنا الدمشقي4 ديسمبر، 2018
- الشهيد الطوباوي مار فلابيانوس27 أغسطس، 2018
أحدث المقالات
- من كتاب العمر لو حكىفي غير مصنف10 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من كلمات البابا فرنسيس للكهنة في استقباله تلامذة المعهد الكهنوتي الفرنسي في روما8 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- تأمّل – لأجل كلمتكفي تأملات4 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من تحسب نفسك؟في تأملات1 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- اليوبيل الذهبي في العمل الرسولي للمطران مار يوحنّا جهاد بطّاح28 مايو، 2021لا توجد تعليقات
- غبطة أبينا البطريرك يحتفل بالقداس الإلهي ويرسم شمّاسين جديدين (الدرجات الصغرى)، حلب، سوريا22 مايو، 2021لا توجد تعليقات
أحدث التعليقات
- Rasha على فلسفة التجلي
- فؤاد نعمة على لمحة عن دير الشرفة
- حيدرعواد على لماذا اختار النبي ايليا 12 حجراً وقال استجبني يارب؟
- fr. daniel على سدرو الاحد الرابع بعد العنصرة
- الشماس موريس خوري على نصلي لأجل آباء سينودس أساقفة كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
التقويم
ن | ث | أرب | خ | ج | س | د |
---|---|---|---|---|---|---|
« يونيو | ||||||
1 | ||||||
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 | 31 |